العسل في التاريخ والحضارات القديمة

العسل في التاريخ

استعمل الإنسان العسل في علاج الأمراض منذ قديم الزمن، وربما قبل تاريخ الطب نفسه، ولكن كيف اختار الإنسان العسل لهذا الغرض؟ وكيف توصل إلى معرفة فوائده؟ من المحتمل جداً أن الإنسان وهو يسعى للوصول إلى مواد شافية طبيعية اكتشف هذه الخاصية الفعالة في العسل فتوارث هذا الاعتقاد جيلاً بعد جيل، وبالرغم من توصل العلماء إلى معرفة التحليل الكيميائي للعسل إلا أننا مازلنا نجهل العديد من المركبات الدقيقة للعسل.

 

العسل في عهد الفراعنة

كان المصريون القدامى من أوائل من وصف استعمالات العسل في العلاج، وأول كتاب طبي معروف هو “أوراق بردى سميث ” الذي ظهر حوالي 2000 سنة قبل الميلاد…وخلال الألف سنة التالية ظهر العديد من الكتب الطبية والكثير من هذه الكتب كان يعتقد بالخرافات والشعوذة والسحر. ويقدر الخبراء أن ما كتب خلال هذه الفترة لا يتجاوز خمسمائة صفحة من الورق. وقد اكتشف العلماء أن العسل قد دخل في أكثر من خمسمائة وصفة طبية، ظهرت في أشهر الكتب الطبية المصرية وهو ما يسمى بـ “أوراق بردي سميث”.

وقد لجأ المصريون القدامى إلى العلاج بمركبات تحتوي على العديد من المواد مثل البيض وحليب الماعز ومن الطريف أن مؤلفي الكتب كانوا يضعون كلمة “جيد” أو “ممتاز” أمام بعض الوصفات الطبية إلا تلك التي تحتوي على العسل الأمر الذي يؤكد على أن فائدة الوصفات الحاوية على العسل أمر غير مشكوك فيه لا داعي هناك للتعريف بمدى فعاليتها ونجد في مصنف طبي آخر كتب على ورق من البردي يبلغ طوله عشرين متراً في أيام الفراعنة القدامى ويدعى بردى “ابرز”. وصفة استعمل فيها العسل للمعالجة مع الشحم (جزء عسل وجزئين شحم) لمعالجة اضطرابات الأذن، وقد عثر على عينة عسل في مقبرة أحد ملوك الفراعنة، وقد وُجد طفل محفوظ في جرة عسل ولم تتغير خواصه.

العسل عند الإغريق والرومان

عرف العسل عند الإغريق والرومان، وقد كتب عنه أرسطو طاليس في القرن الرابع قبل الميلاد، كما ذكره هوميروس في الإلياذة والأوديسة. ويخبرنا “أثنافيوس” أن أتباع فيثاغورث كانوا يأكلون العسل يومياً ويعزون تعميرهم في الحياة لهذه المادة. وقد كتب “بليي” الذي عاش في الفترة ما بين سنة 23 ميلادية وحتى سنة 79 ميلادية: “إذا أراد الإنسان أن يعمر في هذه الدنيا ويحيا حياة صحية فعليه أن يأكل العسل كل يوم” (والأعمار بيد الله). وقد بنى هذه النصيحة على تجارب طويلة حصل عليها خلال أسفاره وترحاله في البلاد. وقد لاحظ خلال تجواله أقواماً “كانوا يعمرون طويلاً” ولم يكن فيما بينهم عامل مشترك سوى تناول العسل بانتظام وقد مدح أبوقراط العسل واعتبره علاجاً “فعالا جدا” للجروح والتقرحات.

كما وصف استعماله في معالجة الأمراض الصدرية والجلدية. وكان هوميروس يتغنى بمدائح العسل، وبخصائصه الممتازة في ملحمتيه الخالدتين الإلياذة والأوديسة. ويصف في الإلياذة كيف جهزت أندروميدا شراباً منعشًا من العسل لمحاربي الإغريق. وكان ديموقراتيس يأكل العسل مع الطعام وعاش أكثر من مائة عام، ولما سُئل عن نصيحته لحفظ الصحة قال: يجب على الناس أن تأكل العسل وتدهن بشرتها بالزيت.

العسل عند الصينيين القدامى

استعمل الصينيون العسل كعلاج طبيعي، ولم يتخذوه كمادة للتحلية بسبب وجرد قصب السكر بوفرة لديهم. وقد وصف العسل في إحدى الكتب الصينية القديمة بأنه “دواء الخلود” ومازال للعسل دور ملحوظ في الطب الشعبي في الصين حتى الآن. وقد يقول قائل إن هذا إلا أساطير. ولكن ينبغي أن نتذكر أن مجتمعاً استطاع بناء حضارة عظيمة لابد أن يكون لديه من الخبرة والذكاء ما يستطيع بهما أن يتعلم من ملاحظات فردية ويعالج بوسائل بسيطة العديد من الأمراض الشائعة.

 

العسل في الهند القديمة

حتى فترة قريبة جدا كانت وسائل تربية النحل المتبعة في كشمير تشابه طرق تربية النحل التي اتخذها الآريون في الهند قبل أكثر من 1500 عام قبل الميلاد، وقد وجد الباحثون ذكر العسل في كتب الهندوس الطبية القديمة التي تسمى ” فيدا” والتي يقدر عمرها بأكثر من ثلاثة آلاف سنة. ومن هذه الكتب الطبية كتابان أحدهما جراحي والآخر للطب العام.

وقد وصف الجراح “سوشروتا” في كتابه “استعمال العسل في معالجة الجروح” وجاء على ذكر ثمانية أنواع من العسل لكل منها استعمالات طبية وخصائص ينفرد بها عن غيره. وقد وصف بعض الأنواع في معالجة الربو وبعضها الآخر في معالجة أمراض جلدية معقدة. وقد كتب العالم الهندي الشهير البروفسور “غودبول” الذي درس استعمالات العسل في الطب الهندي القديم: “بالرغم من أننا نجهل العديد من المكونات الكيميائية للعسل، فإننا دون شك ندرك أن طرق استعمال العسل قد عُرفت جيداً واستخدمت بشكل ذكي على مدى العصور” وتقول كتب الفيدا الطبية القديمة أن حياة الإنسان يمكن إطالتها إذا حافظ الإنسان على وجبات معينة أهم عناصرها اللبن والعسل.

 

العسل في روسيا

اعتمد الطب الشعبي القديم في روسيا على العسل في علاجهم للمرضى. ونجد أن العسل قد وُصف في كتبهم الطبية القديمة كعلاج خلاب. فهل لهم أن يصفوا العسل هذا الوصف لولا أنهم رأوا بأعينهم النتائج الباهرة للمعالجة بالعسل. وهناك حالياً اهتمام كبير بالعسل من جانب الأطباء في كبرى مستشفيات روسيا، ونجد العديد من المقالات والدراسات الطبية والعلمية الحديثة حول العسل تصدر عن مستشفيات وجامعات روسية.
وتتوالى هذه المقالات في المجلات الطبية الروسية سنوياً ما يشير إلى مبلغ اهتمامهم بتلك المادة التي جعلها الله شفاء للناس. إضافة إلى ذلك كان العسل يُعد غذاءاً مرموقاً ويدخل ضمن مكونات المشروبات المفضلة، وأثنت الأساطير القديمة على خصائص العسل الغذائية الباعثة للنشاط والحيوية وفيها الكثير من الرموز والإشارات الضمنية عن القوى الشفائية السحرية للعسل. وكان الإغريق القدامى يعتبروه مادة ثمينة جداً وجعلوا منه قرباناً يقدم في طقوسهم الدينية.

في العصور الوسطى كانت تجبى ضريبة خاصة على قفران النحل في أوروبا واستمر تحصيلها حتى سنة 1934م. وبسبب اعتباره مادة ثمينة استعمل غالبًا كعملة حقيقية وكانت تجبى بعض الضرائب في عهد الإمبراطور شارلمان بهذا الذهب السائل، وكان الإمبراطور يرغم المزارعين على العمل في تربية النحل ودفع ثلثي محصولهم من العسل.

عن د. إبراهيم العريفي

دكتوراه في علوم الأغذيه والتغذيه - خبير العلاج بالعسل ومنتجات النحل والطب البديل. مشرف على ميزان الصحه للتغذيه العلاجيه و مختبر جودة العسل في الرياض - المملكة العربية السعودية

شاهد أيضاً

البروبليس صمغ النحل، العكبر

البروبليس صمغ النحل، العكبر الشافي المعجزة من خلية النحل البروبليس مادة راتنجية صمغية يميل لونها …

اترك رد

error: يمنع نسخ المحتوى .. يمكنك مشاركة الرابط فقط
%d مدونون معجبون بهذه: