العسل ومرضى السكري

العسل ومرضى السكري

في البداية أود أن ألقي الضوء على مرض السكري كتعريف مختصر هو بمثابة مقدمة لموضوعنا وهو هل لمريض السكري تناول العسل أم لا؟ فقد كثر الحديث بين مؤيد ومعارض وسوف نستعرض بعض الآراء العالمية حول هذا الموضوع.

مرض السكري كلمة استخدمها أول مرة طبيب يوناني في القرن الثاني للميلاد وهي مشتقة من كلمة أفريقية، فالحالة قديمة ومعروفة منذ آلاف السنين وقد تكون بمسميات أخرى، وكتعريف هو الحالة التي يوجد فيها السكر في البول، كما أنه الحالة التي توجد فيها نسبة عالية من الجلوكوز في الدم، وقد يعرف بأنه ارتفاع مزمن لمحتوى السكر في الدم والناتج عن عجز غدة البنكرياس من إفراز الكمية اللازمة من الأنسولين، وأسبابه وأعراضه وعلاجه درست وعرفت وتعد موضوعاً طبياً وهذا المجال يطرقه من هو أجدر مني وهم الأطباء، أما الموضوع الهام الذي سوف أركز عليه فهو علاقة مريض السكري بعسل النحل هل يُسمح له بتناول العسل أم لا أو بحدود معينة؟

كما ذكرنا آنفاً، يحتوي عسل النحل على 75% إلى 80% منه سكريات يمثل الجلوكوز فيها 35%، والفركتوز (سكر الفاكهة) 40 – 45%، وسكر السكروز 3% إضافة إلى العديد من السكريات مثل المالتوز والسكريات العديدة فهذه ليست دائماً ثابتة. كما أن هذه النسب ليست ثابتة لكل أنواع العسل ولكل من أنواع العسل تركيبة خاصة تعتمد على نوعية الرحيق وتنوع المصادر الزهرية وطرق تربية النحل التغذية الصناعية على محاليل سكرية للنحل إضافة إلى بعض العوامل الأخرى، إذ قد تحصل على عسل نسبة سكر الجلوكوز فيه عالية إذا غُذي النحل على جلوكوز أو ثمار العنب وهذا عدو لدود لمريض السكري، وقد تحصل على نسبة سكر الفركتوز فيه عالية إذا غُذي النحل على رحيق الأزهار وأُعطي فترة كافية لنضج العسل فهذا قد يناسب بعض مرضى السكري وخاصة النوع الثاني غير المعتمد على الأنسولين، لأن سكر الفواكه (الفركتوز) لا يتم تمثيله كاملاً في الجسم كما أنه لا يحتاج إلى الأنسولين لإدخاله إلى الخلايا.

إذاً مريض السكري إذا كان المرض الذي لديه هو النوع الأول المعتمد على الأنسولين فأنصحه بعدم تناول العسل، وإذا رغب في ذلك يكون ضمن الحدود المسموح له بها من الوجبة وتحت إشراف طبي –لأن الطبيب هو أعلم بحالة كل مريض– بمعدل ملعقة واحدة صباحاً على الريق.

وأما إذا كان الشخص مصاباً بالسكري من النوع الثاني أي غير المعتمد على الأنسولين والمعتمد على الحمية وبعض الأدوية أي أن نسبة السكر في الدم لا ترتفع لمعدلات عالية

– حيث يوجد نشاط في غدة البنكرياس ولكن ليس كافيًا لتنظيم مستوى السكر في الدم

– وهذا المريض يمكنه تناول العسل الطبيعي ملعقة واحدة (21 جم) صباحاً على الريق فقط وذلك لتنشيط البنكرياس.

وهناك الكثير من الأبحاث العلمية بعضها يحذر من تناول العسل بالنسبة لمريض السكري والبعض يؤيد تناوله وفق شروط معينة وأبحاث تؤيد تناوله كوقاية وعلاج لدوره في تحفيز الأنسولين وتعويض الجسم عما يحتاجه من مركبات غذائية هامة مثل المعادن والفيتامينات والأحماض الأمينية وعلاجية أخرى يتميز بها العسل عن غيره من المواد وهذه النظرية لا تحتاج لبرهان أو إثبات.

فمريض السكري خاصة غير المعتمد على الأنسولين لا يستطيع أحد أن يحرمه هذه المادة الغذائية العلاجية ولكن وفق ضوابط وبإشراف طبي، ونود هنا أن نستعرض بعض الأبحاث العلمية التي أثبتت أن تناول مريض السكري (غير المعتمد على الأنسولين) للعسل كملعقة واحدة صباحاً لا يرفع نسبة السكر بل ينشط إفراز الأنسولين ما يؤدي إلى خفض نسبة السكر في الدم، ومن الأبحاث العلمية والأسباب التي يعزى لها خفض نسبة السكر في الدم ، كملعقة عسل (21 جم) تعطي من السعرات الحرارية ما مقداره 68 سعرة حرارية أي أقل من التفاحة الواحدة وأقل من 3 تمرات متوسطة الحجم وأقل من حبة موز.

إذًا كانت كمية السعرات ليست بالأمر المخيف كما رأينا، فلماذا يحذر الأطباء مريض السكري من العسل بينما يسمح له بتناول التمر ولو كانت 3 تمرات والتي هي تعطي طاقة أكثر من ملعقة العسل. مريض السكري قد يتناول أكثر من 10 تمرات وأرز وفواكه…الخ وهذا طبعًا فيه شيء من العشوائية وعدم الالتزام بالحمية.

وقد ذكر بأن معامل فولم الألمانية تنتج محاليل من العسل بعد تصفيته من غروياته تحت اسم (M2 Woelm) مهيأة للحقن بالوريد ومعروف أن هذه المركبات تخفض سكر الدم.

والذين يستفيدون من العسل هم مرضى السكري غير المعتمدين على الأنسولين وهنا تجدر الاشارة إلى أن الاستعمال يجب أن يكون في الحدود المعقولة مع حساب السعرات الحرارية للعسل ضمن احتياج المريض، وغالباً ما يكون المريض بديناً حيث تكون كمية الأنسولين في بادئ الأمر طبيعية وربما تكون أكثر من المستوى العادي ثم ترهق غدة “لنجرهانز” في البنكرياس فتضعف عن إفراز الأنسولين وتتطلب منبهاً لتنشيطها وفي هذه الحالة يكون العسل هو أنسب المواد.

ويجب أن يكون الاستعمال بحذر لأن الإفراط في تناوله قد يؤدي إلى إفراز كمية وفيرة من الأنسولين الأمر الذي يؤدي إلى استهلاك السكريات المتعاطاه وكذلك يؤدي هذا الأنسولين الذي تم إفرازه إلى تمثيل المواد الدهنية بكميات كبيرة ما يسبب زيادة الوزن.

وقد ذكر الدكتور الروسي يوريش أن من بين مكونات العسل الطبيعي نوع من الهرمونات يشبه الأنسولين.

وقد أجريت دراسة لمعرفة أثر عسل النحل على مستوى سكر الجلوكوز في دم مرضى البول السكري من النوع الثاني الذين لا يعتمدون على الأنسولين وتم اكتشاف المرض لديهم حديثًا وذلك بإعطائهم جرعات مختلفة من العسل أو خليط من السكريات الأساسية في عسل النحل (فركتوز – جلوكوز – سكروز) وبذات النسب التي توجد في عينة العسل التي استخدمت في الدراسة، وكذلك إعطائهم جرعات من سكر الجلوكوز بغرض المقارنة بين أثره وأثر العسل وخليط السكريات على مستوى الجلوكوز في الدم ووجد أن الجرعات الصغيرة من العسل (25 جم) لم تتسبب في ارتفاع يذكر في مستوى جلوكوز الدم بعد ساعة من بدء الاختبار، كما وأن مستوى سكر الدم تراجع بوضوح بعد 3 ساعات عن مستواه في حالة الصيام.

ولوحظ أن خليط السكريات وسكر الجلوكوز يتسببان في ارتفاع حاد في مستوى السكر في الدم بعد ساعة في حين أن العسل لم يحدث تأثيراً ملحوظاً، وأوضحت الدراسة أنه بالإمكان أن يتناول مرضى البول السكري عسل النحل الطبيعي وفق ضوابط وضمن الحسابات الغذائية وذلك للاستفادة من مكوناته الغذائية.

وفي دراسة على تأثير العسل على مرضى السكري وُجد أن تأثير العسل في رفع سكر الدم أقل بحوالي النصف من تأثير سكر الجلوكوز، ووجد عند 9 من 17 شخص بعد تناولهم العسل أن سكر الدم لديهم بعد مرور 018 دقيقة عاد إلى أقل من المعدل السابق، وأوصت الدراسة باستعمال العسل ضمن وجبات مريض السكري المحسوبة وقد يستعمل مرتين في الصباح وبعد الظهر بمعدل 20 جم لكل مرة ولم يؤثر ذلك على مستوى الجلوكوز لدى عينات الدراسة بحيث لا تتجاوز السعرات الحرارية للعسل المأخوذة في اليوم عن (60 – 120 سعر حراري).

ووجد أن العسل الصيفي أنسب من العسل الشتوي لمريض السكري، وقد يرجع هذا إلى تميز العسل الصيفي في بلد الدراسة بأنه ناتج من رحيق الأزهار وتركيبه الكيميائي (نسب السكريات) مناسب لمريض السكري لارتفاع سكر الفركتوز في حين الشتوي قد يكون ناتجاً من تغذية بثمار أو محاليل لعدم وجود أزهار في فصل الشتاء.

والدراسات في هذا المجال ليست كثيرة لكنها تفي بالغرض، وأوردنا دراستين حديثة وأخرى قديمة كمثال ولود أن نلفت الانتباه إلى أنه يوجد نوعية من العسل تسمى (سدر العناب) يُعتبر مناسباً لمريض السكري وقد نشط البنكرياس لدى كثيرين، مما أدى إلى خفض معدلات سكر الدم لديهم كل أنواع العسل الطبيعي لها تأثير مشابه ولكن هذه النوعية تميزت عن غيرها

 

وسبب خفض نسبة السكر في الدم قد يرجع إلى ما يلي:

– يحتوي العسل الطبيعي على هرمون شبيه بالأنسولين كما ذكر الدكتور الروسي بوريش.

– العسل قد يحدث نوعاً من الصدمة لخلايا بيتا فيعمل على تنبيه البنكرياس نتيجة لاحتواء العسل على سكريات عالية، حيث يقوم بدوره بإفراز كميات أكبر من الأنسولين ومع مرور الأيام ينشط (بعد أخذ العسل بساعتين يرتفع قليلًا ومن ثم ينخفض إلى مستويات أقل من المعدل السابق).

– قد يكون له تأثير على مستقبلات الخلايا.

– قد يكون هناك أسباب أخرى خلاف ذلك والله بها عليم.

وبالمناسبة بعض منتجات النحل لها تأثير إيجابي على مريض السكري بتخفيض نسبة السكر، حيث إن جميع منتجات النحل وخاصة العسل والغذاء الملكي والبروبليس لهم تأثير إيجابي على مريض السكري وخاصة أعراض مرض السكر (التنميل، العطش، كثرة التبول، النشاط الجنسي)، فغذاء ملكات النحل فيه ببتيدات شبيهة بالأنسولين وأخذه بمقدار 250 ملجم (ربع جرام) قبل الوجبة بـ 20 دقيقة يحفز الأنسولين. كما أن الأبحاث أثبتت أن البروبليس يُكثر من خلايا بيتا في البنكرياس.

وهذا ما وجدناه من خلال البحث والتطبيق في رسالة الدكتوراه.

عن د. إبراهيم العريفي

دكتوراه في علوم الأغذيه والتغذيه - خبير العلاج بالعسل ومنتجات النحل والطب البديل. مشرف على ميزان الصحه للتغذيه العلاجيه و مختبر جودة العسل في الرياض - المملكة العربية السعودية

شاهد أيضاً

النحل والعسل في القرآن الكريم

النحل والعسل في القرآن الكريم تفسير النص القرآني (وأوحى) المراد بالوحي هنا الإلهام والهداية والإرشاد …

اترك رد

error: يمنع نسخ المحتوى .. يمكنك مشاركة الرابط فقط
%d مدونون معجبون بهذه: